تطور مفهوم الإبداع

التطور التاريخي للإبداع:

بدأ الاهتمام بالإبداع والمبدعين منذ زمن قديم، حيث كانت بدايته في عصر الفلاسفة الإغريق القدماء قبل اكثر من عشرين قرناً وتمثلت في تعريفات عديدة من الفلاسفة:

يرى أفلاطون Plato)) (347-427 ق.م) أن الإبداع هو الإلهام الذي يوجد لدى الفرد بسبب قوة خارجية سماوية.

بينما يرى أرسطو (Aristotle ) (322-384 ق.م) أن الإبداع يتمثل بالمواد الناتجة من الطبيعة وتأتي هذه المواد من المهارة أو من الأفكار وقد تحدث هذه النواتج بشكل تلقائي أو عن طريق الحظ.

بينما يرى ايمونت كانت (Kant ) ( 1724 – 1804م ) أن الإبداع هو الموهبة الطبيعية وانه انتاج فطري.

هؤلاء الفلاسفة حاولا تفسير الابداع على أسس طبيعية، أي أن الطبيعة هي التي تولد الإبداع، أي تفسير كل شي ما خلقنا عليه، وما لا يمكن تفسيره وتبديله.

وفي القرن التاسع عشر تبلورت فكرة أن الإبداعية لا تأتي من الخارج ولكنها تأتي من جزء ما في عقل الفرد، وارتبط هذا الفهم بالحياة غير الاعتيادية، والمظاهر السلوكية التي يؤديها الفرد،

وقد برزت آراء لومبونز (Lombonso ) في أواخر القرن التاسع عشر، وهي تشير إلى أن الأشخاص الذين يتصفون بقدرات إبداعية يمتازون بخصائص ومظاهر جسمية معينة أقرب ما تكون إلى المرض، وأكد كذلك أن الأشخاص المبدعين يتصفون بضعف البنية الجسمية، الشحوب ، التأتأة، وعدم النطق السليم ويستخدمون اليد اليسرى.

نشر العالم الإنجليزي فرانسيس جالتون ( Francic Golton 1869 ) صاحب نظرية وراثة العبقرية (Inherdity Genious ) التي لفتت انظار العالم إلى العباقرة، والواقع أن جالتون لم يحاول جدياً أن يفهم العمليات العقلية التي ينتج بوساطتها العباقرة أفكارهم الجديدة ولكنه اتجه بدراسة نمو المحددات الوراثية للإنجاز الإبداعي، وهو يعد اول العلماء الذين قاموا بدراسة منهجية موضوع الإبداع بعد ذلك نشر العالم الفرنسي تيوديل ارمان ريبو ( Th,A,Ribo ) بحثه عن الخيال الإبداعي.

تشير الدراسات إلى أنه قد بدأ الاهتمام بدراسة القدرات الإبداعية قبل ظهور اختبارات الذكاء بالصورة التي نعرفها اليوم، فقد حاول ديربون (Dearbon ) قبل مطلع القرن العشرين عام 1898 بدراسة الاستجابات التخيلية لدى طلبة جامعة هارفرد، واستنتج أن ( الأنموذج العقلي) عند الطلبة الأفقر تخيلاً هم أقل قدرة على التخيل الإبداعي،

وقام بعد ذلك كولفن Calvin بدراستين عامي( 1902 – 1906 ) للقدرة على الابتكار ، وانتمى منها التمييز بين القدرات المنطقية والقدرات التخيلية الإبداعية لدى الطلبة.

وفي الربع الأول من القرن العشرين جرت محاولات متعددة لكل من تشاسيل Chassel واندراوس Anderws وولش Walch لدراسة الإبداع واستخدام وسائل متعددة للتعرف على مفهومه وعملياته ، فقد تم التوصل إلى نتائج مهمة تتعلق بمراحل التفكير التي تظهر فيها العملية الإبداعية بدءاً من الشعور بالحاجة إلى الأفكار الإبداعية وانتهاء بتنفيذها، فضلاً عن اهتمامهم بدراسة علاقة الإبداع بالعمر.

وفي عام 1922 كتب سمبيسون Simpson على أنه من الرغم من أهمية اختبارات الذكاء، فإنها لا تشتمل على عناصر الإنتاج الإبداعي مما يؤكد الحاجة الى اختبارات الإبداع تمدنا بمعلومات قيمة عن الإبداع.

وفي عام 1927 نشر هارجريفز Hargreares في مجلة علم النفس البريطانية دراسة بعنوان ( ملكة التخيل ) حاول فيها دراسة التخيل الإبداعي.

وفي عام 1931 حاول سبيرمان Spearman في كتابه بعنوان (العقل المبدع) أن يثبت أن كل فعل ابداعي يتضمن عملية علاقات بين متعلقات وأطلق عليها سبيرمان اسم الإنشاء العقلي (Neogenesis ).

وفي عام 1981 فسر جيلفورد أن الإبداع عملية معرفية (Cognitive Processes ) تقوم بها قدرات عقلية هي ( الأصالة – المرونة – الطلاقة – والإحساس بالمشكلات) ، والإبداع قدرات عقلية موجودة عند جميع الناس بدرجات متفاوتة ولا يقتصر وجودها على المتفوقين عقلياً كما كان يرى السابقون بل يظهر في أعمال كثيرة يقوم بها أشخاص اعتياديين في الذكاء فاذا كانت محكات العمل المبدع هي إثارة الإعجاب والحداثة والأصالة، فمن الممكن أن نجد أنشطة يقوم بها الإنسان الاعتيادي تتوفر فيها هذه الشروطـ، وهذا ما جعل تورانس وجيلفورد ودينجمان يبحون عن المبدعين في جميع المستويات العقلية الدراسية الاجتماعية وبالبحث عن الابداع في جميع الأنشطة المفيدة للفرد والمجتمع.

على الرغم من اتفاق العلماء والباحثين بأن الإبداع هو لون من ألوان النشاط العقلي للفرد، إلا أنهم اختلفوا في طرق معالجته وتحديد مفهومه، ولقد أظهرت الدراسات أن الإبداع ظاهرة معقدة جداً ( أو جملة معقدة من الظواهر) ذات وجوه أو أبعاد متعددة، لهذا يبدو من الصعب أن نجد تعريفاً محدداُ ومتفقاً عليه من الباحثين.

في عام 1993 عرف تورانس الإبداع بأنه عملية تحسس للمشكلات والوعي بمواطن الضعف والثغرات وعدم الانسجام والنقص في المعلومات والبحث عن حلول والتنبؤ وصياغة فرضيات جديدة واختبار الفرضيات وإعادة صياغتها أو تعديلها من أجل التوصل إلى حلول او ارتباطات جديدة باستخدام المعطيات المتوافرة ونقل او توصيل النتائج للآخرين.

تصنيف تعريفات الإبداع:

من التصنيفات الشاملة لتعريفات الابداع ما أورده تايلر (1993) نقلا عن ورقة غير منشورة للباحث ريبوسي يستعرض فيها التعريفات المنشورة ويصنفها في ست مجموعات:

1– تعريفات الجشطلت : تتلخص في القول بأن الابداع عبارة عن إعادة أو دمج أو ترجمة المعرف والأفكار بشكل جديد ويمثل هذا الاتجاه ويرتيمر الذي يعرف الابداع بأنه عملية تدمير جشطالت موجود من أجل بناء جشطالت أفضل.

2– تعريفات الناتج النهائي : هي تعريفات موجهة نحو المستحدثات الجديدة في المجالات المختلفة ويمثلها تعريف شتاين (1953) الذي يرى أن الابداع عملية تثمر ناتجاً أو عملاً جديداً وغير عادي تتقبله جماعة ما في فترة زمنية ما لفائدته أو تلبية لحاجة قائمة أو لقابليته للبرهان.

3- تعريف ذلك (1985): الذي يرى أن الابداع يعني التميز في العمل أو الإنجاز بصورة تشكل إضافة إلى الحدود المعروفة في ميدان معين.

4- التعريفات التعبيرية أو الجمالية: تدور فكرتها حول التعبير الذاتي للفرد وخبرته الشخصية ومن أمثلتها تعريف جزلين (1955) الذي ينص على أن الابداع عملية تغيير وتحول في تنظيم الحياة الشخصية للفرد.

5- تعريفات التحليل النفسي : وهي تعريفات ترى أن الابداع محصلة لتفاعل ثلاث متغيرات للشخصية هي: الأنا والأنا الأعلى والهو وأن تحقق الابداع مرهون بكبت الأنا حتى تبرز على السطح محتويات اللاشعور أو ما قبل الشعور.

6- تعريفات التفكير الإبداعي أو عملية الابداع: وهي التعريفات التي تركز على عملية التفكير نفسها أكثر من التركيز على النواتج ومن أمثلة ذلك تعريف سبيرمان الذي يرى أن الابداع يحدث عندما يتمكن العقل من ادراك العلاقات بين شيئين بطريقة يتولد عنها ظهور شيء ثالث.

7- تعريفات أخرى: هي تلك التعريفات التي يصعب ادراجها ضمن أي من التصنيفات المذكوره ومن هذه التعريفات : تعريف رائد الذي يرى أن الابداع عبارة عن إضافة جديدة الى المعارف المختزنة للإنسان ومنها تعريف لوينلفد الذي ينظر للإبداع باعتباره محصلة العلاقة الشخصية للفرد مع غيره ومع محيطه وهناك تعريف تضيف بعداً آخر غير الجدو والاصالة في الناتج الابداع وذلك البعد هو القيمة الاجتماعية لهذا الناتج وتتضمن هذه التعريفات مجموعات كبيرة من المتغيرات التي تؤثر في طبيعة تطور العمل الإبداعي والفرد المبدع وتغطي بذلك مدى واسعا من الخصائص الفردية والظرفية وتشمل هذه المتغيرات : المعرفة والعمليات المعرفية والعمليات المعرفية الأساسية والسمات الشخصية والوعي الاجتماعي والخصائص الحضارية والاعتبارات الاقتصادية.

 

مفهوم الإبداع من الناحية اللغوية:

لغة: أبدعت الشيء ، اخترعته على غير مثال سبق.

المبدع هو المنشئ أو المحدث الذي لم يسبقه أحد.

في القرآن الكريم: (بديع السموات والأرض) : أي خالقهما على غير مثال سابق.

 

مفهوم الإبداع من الناحية الإصطلاحية:

  • أن ترى ما لا يراه الآخرون.
  • أن ترى المألوف بطريقة غير مألوفة.
  • هو تنظيم الأفكار وظهورها في بناء جديد انطلاقاً من عناصر موجودة
  • أنه الطاقة المدهشة لفهم واقعيين منفصلين والعمل على انتزاع ومضه من وضعهما جنباً إلى جنب .
  • طاقة عقلية هائلة فطرية في أساسها ، اجتماعية في نمائها مجتمعية وإنسانية في انتمائها.
  • القدرة على حل المشكلات بأساليب جديدة تعجب السامع والمشاهد.

الكسندر روشكا : هو القدرة على تكوين وانشاء شيء جديد أو دمج الآراء القديمة او الجديدة في صور جديدة أو استعمال الخيال لتطوير وتكييف الآراء حتلا تشبع الحاجيات بطريقة جديدة أو عمل شيء جديد ملموس أو غير ملموس بطريقة أو أخرى .

الإبداع عبارة عن الوحدة المتكاملة لمجموعة العوامل الذاتية والموضوعية، التي تقود إلى انتاج جديد وأصيل ذو قيمة من الفرد والجماعة ، والإبداع بمعناه الواسع يعني إيجاد الحلول الجديدة للأفكار والمشكلات والمناهج…

سمبمسون: الإبداع هو المبادرة التي يبديها الشخص بقدرته على الإنشقاق من التسلسل العادي في التفكير إلى مخالفة كلية.

سميث: إن العملية الإبداعية هي التعبير عن القدرة على إيجاد علاقات بين أشياء لم يسبق أن قيل إن بينها علاقات.

هافل: الإبداع هو القدرة على تكوين تركيبات او تنظيمات جديدة.

ماكينون: إن للإبداع أربعة مكونات أساسية هي : العمل الإبداعي ، العملية الإبداعية، الشخص المبدع ، الموقف الإبداعي.

درافهي Dravahi : طاقة الفرد لأن يبدع أشياء أو أفكاراً من أي نوع بحيث تكون بصفة خاصة جديدة وغير معروفة للشخص الذي أبدعها.

الإبداع هو نشاط متخيل موجه نحو هدف معين يتضمن تكون أنماط جديدة مؤلفة من خبرات ماضية، أو استخدام العلاقات القديمة لتأليف موقف جديد لا يشترط ظهوره في شكل تطبيقات عملية أو انتاجات فقد يكون عملاً فنياً أو علمياً أو أدبيها او في شكل اتجاه عام.

جيلفورد: القدرة على الإبداع هي قدرة على التفكير التغييري أو الإفتراقي في مقابل القدرة على التفكير التقريري والمقصود بالتفكير التغييري هو التفكير الذي ينظر إلى الموضوع من أكثر من اتجاه ويقترح أكثر من حل للمشكلة الواحدة أما التفكير التقريري هو يعتمد على الحقائق الثابتة مثل 1+1=2.

التعريف المتكامل للإبداع:

ظاهرة سلوكية متعددة الجوانب، تتبدى في ممارسة الفرد أو الجماعة لسلسلة من العمليات العقلية التي تصاحبها وتتفاعل معها مجموعة أخرى من العمليات الوجدانية والاجتماعية في ظل توافر خصال معينة تتسم الفرد أو الجماعة مما ينتج عنه التوصل إلى طرح أفكار أو منتجات تتسم بثلاث خصائص أساسية وهي : الجدة (سواء أكانت نسبية أو مطلقة ) والملاءمة (المتصلة بالسياق أو الموقف ) والقيمة ( سواء أكانت نفعية أو جمالة أو أخلاقية أو اقتصادية أو غير ذلك من صور القيمة والتي يرتضيها المجتمع ككل أو جماعات محدودة لها دلالاتها الخاصة بالنسبة له وهذه الأفكار والإنتاجات يحكم تلقيها وتذوقها مجموعة من الشروط والعمليات .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

المراجع:

عبدالمجيد، جميل طارق. (2008). الأنشطة الإبداعية للأطفال ، دار صفاء للنشر والتوزيع: عمان.

جروان، فتحي عبدالرحمن . (2002). الابداع : مفهومه- معاييره- نظرياته – قياسه – تدريبه – مراحل العملية الإبداعية ، ط1 ، دار الفكر: عمان,

السويدان ، طارق محمد ، العدلوني ، محمد أكرم .(2004). مبادئ الإبداع. قرطبة للنشر والتوزيع : الرياض.

عامر ، أيمن .( 2007 ). واقع الدراسات النفسية للإبداع في مصر ومردودها ، مجلة دراسات نفسية ، مج 17 ، ع 1.

نشواتي ، عبدالحميد، ولطفي، لطيفة ويعقوب، أبو الحلو .(1985). الابتكار وعلاقته بالذكاء والتحصيل ، المجلة العربية للبحوث التربوية 19، الأردن.

صبحي ، تيسير ويوسف ، قطامي .(1992). مقدمة في الموهبة والإبداع، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، عمان : الأردن.

عاقل، فاخر .(1975). الإبداع وتربيته، دار العلم للملاين بيروت : لبنان.

قطامي، نايفة والقيسي، هند .(1995). علاقة الإبداع بالتحصيل وبعض المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية لدى طلبة الصف العاشر في مدينة عمان، مجلة دراسات، مج 22 ، ع1 ، عمان : الأردن.

السيد، عبدالحليم محمود.(1978). الإبداع والشخصية، دراسة سيكولوجية, دار المعارف : مصر.

السرور ، ناديا هايل .(2002). مقدمة في الإبداع، كلية العلوم التربوية، الجامعة الأردنية : دار وائل للنشر.

William R .and Stockmyer, J.( 1987).Unleasing The Right Side Of Brain the LARC Creativity Program, The Stephen Greene Press, Lexington Massachusetts.

Torrrance, E. P. (1980).Lessons about giftrdness and Creativity from anation of 115 million over-achievers Gifted child quarterly. vol24, no1.

 

 

 

 

error: Content is protected !!