منطقة الذكاء” نقطة في الدماغ
يبلغ الدماغ البشري درجة عالية في التعقيد، فكل دماغ بالغ يحتوي على 100 مليار عصب كل منها يتصل ب500 مشبك لجعل الدماغ قادراً على إجراء ملايين الاتصالات في الثانية الواحدة وتخزين المعلومات وإعادة جدولتها واختيار انسبها للاحتفاظ به.
ويختلف معدل الذكاء بين شخص وآخر، دون ان يكون لكبر حجم الدماغ دور في ذلك بالضرورة ولم يتبين وجود اختلاف بين دماغ الرجل والمرأة.
الكاتبة مارلين فوس سافانت احتفظت بلقب أذكى إنسان حي في موسوعة جينيس للأرقام القياسية بين عامي 1986 و1989 بعكس المقولة التي تدعي تفوق الرجل على المرأة في الذكاء.
لكن اذا كان حجم الدماغ لا يحسم ذكاء الإنسان، فهل نشاط الدماغ يفعل ذلك؟
لمعرفة هذا الأمر أجرى فريق يقوده جون دنكن عالم وحدة الإدراك والدماغ من جامعة كامبريدج بانجلترا تجربة في العام 2000 لتحديد منطقة الذكاء في الدماغ والتي أطلقوا عليها اسم النقطة جي التي ترتبط بالذكاء العام وهي باختصار -ووفقا للفريق- ما يسعى فحص الذكاء او ما يعرف بمصطلح الأي كيو لقياسه ولا تتحكم هذه النقطة بمناطق كثير من الدماغ بل تقتصر على قسم صغير من قشرة الدماغ الأمامية، ويشير البحث الى ان هذه المنطقة من الدماغ رغم تشابهها في معظم البشر إلا ان الفروقات الصغيرة الزائدة في نشاطها تظهر بوضوح لدى الأشخاص المتميزين بذكائهم العلمي والرياضي والاجتماعي.
كما أكدت الدراسات السابقة للدماغ أهمية الذاكرة في زيادة معدل الذكاء أي نشاط الفص الحلزوني في الدماغ المسؤول عن استرجاع المعلومة في الدماغ وترتيب الصور ومن ثم إعادة تذكرها كما ان بعض التمارين التي تساهم في تقوية الذاكرة تساعد على تنشيط هذه المنطقة وتاليا رفع معدل الذكاء.
وفي دراسة حديثة قام بها العالم فليب شو من المعهد الوطني للصحة العقلية في بالتمور، ميرلاند والتي شارك فيها 300 طفل ومراهق تراوحت أعمارهم بين 7 و18 سنة.
وجد الفريق ان كل الذين بلغوا الثامنة عشرة من العمر تساووا في سمك قشرة الدماغ في حين كانت قشرة الأطفال بين سن 7 و12 أما المتميزون بالذكاء فكانت قشرة الدماغ أكثر سمكاً من أقرانهم من العاديين، الأمر الذي يعني وفقا للدراسة ان ذكاء الإنسان يعتمد الى حد ما على سماكة قشرة الدماغ في الطفولة.
قصة أخرى يدرسها علماء الدماغ بطلها اللبناني زياد فزاح الذي يقول انه يتكلم ويكتب 59 لغة يجيد منها عشراً بطلاقة تامة، بينما يحتاج الى أسبوع لاستذكار اللغات الباقية.
ويقول ان مهارته تلك لا تعود الى كونه شخصا مميزا بل لان ذاكرته مميزة والتي تجعله يتذكر الكلمات والكتب بدقة بالغة.
ويشترط فزاح ان يعرف ما اللغة التي سيناقش بها والمواضيع التي ستطرح للنقاش، ومن ثم يعكف في منزله لاستذكارها لمدة أسبوع ليظهر بعدها على شاشات التلفزة العالمية يسأل ويجاوب ويكتب باللغة المتفق عليها. ويقول العلماء انه لا توجد قواعد محددة تجعل الإنسان متمكنا من تعلم لغات مختلفة لكن الأمر الوحيد المؤكد ان التعرف إلى لغات مختلفة في الصغر له دور حاسم في قدرة الإنسان على تحدثها مستقبلا وتذكرها بشكل جيد.
فإذا لم يتعلم الطفل لفظ الحروف خلال عامه الأول يصبح تعلم اللغة عسيرا مستقبلا، كما اثبت العلماء مؤخرا ان تعلم قواعد اللغة في عمر 7 سنوات يفتح نوافذ واسعة أمام الطفل ويجعل التعلم أسهل فيما بعد.
دماغ اينشتاين
يجوب دماغ اينشتاين غرف وقاعات جامعة برينستون الأمريكية منذ العام 1955 ويعمل العلماء على دراسة الفروقات بين اعظم دماغ عرفه التاريخ الحديث والأدمغة العادية والسر الذي يميز دماغ هذا الرجل.
درست عالمة الأعصاب ماريان دياموند بعض أجزاء من دماغ اينشتاين وقارنتها بغيرها من الأدمغة العادية، فوجدت ان دماغ الرجل يحتوي على ضعف كمية الخلايا غليال التي كان يظن لوقت قريب أنها خلايا مساعدة لعمل الأعصاب فقط ودور في نقل الطاقة والغذاء إليها.
لكن الدراسة الحديثة اكتشفت أنها تلعب دورا حيويا في إيصال الإشارات الدماغية.
القدرات الذهنية
يملك البعض قدرات ذهنية غير عادية كالرسم بدقة شديدة او حساب الأرقام بدقة، او تذكر الأرقام والتواريخ ومعرفة تراتبها بشكل دقيق جدا، ويقوم البعض بتذكر عمليات رياضية معقدة او تذكر كتاب كامل بعد قراءته لمرة واحدة، ويمكن للبعض الآخر رسم دوائر بدقة بالغة دون الاعتماد على أدوات هندسية، ويمكن للبعض عزف سيمفونية موسيقية كاملة بعد الاستماع إليها مرة واحدة ومن غير نوتات موسيقية مكتوبة أمامهم. فما الذي يميز هؤلاء عن غيرهم؟
شرحت الكثير من النظريات ظاهرة التفوق الذهني، فمنها التي قالت ان ذلك سببه خلل في الدماغ يؤدي الى تطوير جزء او فص دماغي معين أكثر من غيره الأمر الذي يمكن الشخص من التذكر بشكل دقيق او القيام بأشياء دقيقة جدا، وعدم القدرة على القيام بأمور أكثر عموما كإعداد الشاي او ربط الحذاء أو ما شابه.
وتقول إحدى النظريات ان الذاكرة القوية او حل بعض المعادلات الرياضية الصعبة يحتاج قبل كل شيء الى التركيز وتمرين العقل على حل مثل هذه المسائل، فالدماغ مثل أي عضلة او جهاز في الجسم يعطي نتائج أفضل عند التمرين.
أما العالم آلان سنايدر من المركز الذهني في سيدني استراليا فيقول ان الذكاء البشري يعتمد على نشاط أجزاء الدماغ المختلفة.
وأجرى سنايدر بعض التجارب على أكثر من 20 متطوعاً، وقام بتعريض بعض أجزاء من دماغهم (كمركز الإدراك ومركز العواطف والتذكر) الى موجات مغناطيسية خفيفة وغير مؤذية، ثم عمد بعد ذلك الى اختبار قدرة المتطوعين على حل معادلات حسابية او تذكر بعض تفاصيل الصور ولاحظ ان بعض المتطوعين تحسنت لديهم القدرة على التذكر او حل المعضلات المختلفة، ويقول سنايدر ان نسبة الذكاء البشري تعتمد على تفعيل بعض مراكز الإدراك في الدماغ وان هذه المراكز تستطيع ان تتطور إما عن طريق التدريب او بطرق صناعية خارجية.
ويقول سنايدر انه يتوجب الانتظار قليلا ريثما يتم عمل المزيد من الاختبارات والتجارب حتى يتم التعرف تماما إلى ماهية الدماغ البشري والسبل الأنجع لتطويرها.